اذا كنتم قد قمتم بقراءة مقالنا السابق تحت العنوان نفسه وتقومون الآن بقراءة القسم الثاني منه, فهذا من دواعي سرورنا, آملين ان نساهم في تغطية مواضيع مهمّة تنال اعجابكم وتُعطي الاجابة على تساؤلاتكم.
بداية, كنّا قد تحدثنا في المقالة السابقة عن مدير المشروع بالصدفة، وأوضحنا أن هذا المصطلح ليس مسيئاً لأحد على الإطلاق، وإن كان كذلك، فكان من المفترض أن تقوم مديرة مشاريعي (زوجتي نبيلة) بالانفصال عني منذ فترة طويلة. ولكنّها وفي حقيقة الأمر قد قامت بتحرير هذه المقالة والموافقة عليها بعد أن ألقت عليّ محاضرة حول واجباتي المنزلية شارحة كلّ مهمة منها على حدى (سيتوضح الأمر عندما تنتهي من القراءة).
سأطلعكم في هذه المقالة على أفكارنا من خلال رسالة شخصية. ستجدون خلالها بعض الأفكار بطريقة المزاح وسنقوم باستخدم بعض مصطلحات التشبيه الشخصية، لكن الرسالة ليست شخصية، وهي لا تدور حول زوجتي … بل هي إلهام نابع عن كل امرأة عاملة بإمكانها أن تعالج 20 مسألة في آن واحد دون أي مشكلة.
أهديت كتابي الأول إلى زوجتي الرائعة، وعنوانه “The Inheritance“، وتدور قصته عن الصداقة، المجتمع وإدارة المشاريع، وهي الشخصية غير الرسمية لمدير المشروع بالصدفة. وقد ذكرت في رسالة الشكر التي استهلّيت فيها الكتاب: “أعلم أن زوجتي لا تصدقني دائماً عندما أقول لها هذه العبارة، ولكنها الحقيقة: الجزء الأكبر من مصدر إلهام هذا الكتاب نابع من مراقبتي لها. فأنا أمزح معها وأدعوها مديرة مشروع بالصدفة”.
الهدف الرئيسي من كتابة “The Inheritance” هو نشر استخدام فكرة إدارة المشاريع على نطاق أوسع ضمن المجتمع المهني وايصال الأفكار بشكل واضح الى جميع الأفراد الذين لم يتعرّفوا بعد على هذا المجال الرائع. فأنا شخصياً أعتبر إدارة المشاريع كمارد عملاق يكمن داخل كل واحد منا، وهي مقدرة ضرورية ليس فقط للمشاريع المرتبطة بالعمل ولكن لمختلف مشاريع الحياة اليومية على وجه العموم.
“كيف نكتشف أن هناك مارد يكمن داخل كل واحد منا بغض النظر عن مشاغلنا الحياتية؟ كيف نوقظ هذا المارد من نومه العميق (السبات)، وكيف نتعامل مع هذا المارد، نروّضه، نصقله ونستثمره بما يخدم تطوّرنا الشخصي والمهني؟ ” (عجم، المارد، 2006)
مصدر إلهام هذا الكتاب وهذه المقالة
مع ولادة طفلنا الأول, قررت زوجتي نبيلة عدم الاستمرار بالعمل ضمن وظيفة بدوام كامل، على الرغم من أنها عملت كمهندسة لسنوات عدّة مع شركات عالمية في الولايات المتحدة وأوروبا, وكانت تحبّ عملها وتتقنه بصورة جيّدة, الا أنها فضّلت أن تبقى في المنزل لتكرّس وقتها للأمومة.
عندما قامت بهذا الخيار، لم تدرك أن “الحياة المهنية” ليست المكان الوحيد الذي بإمكان المرء أن يمارس فيه إدارة المشاريع. وهي ما تزال لا تدرك أن إدارة المشاريع يمكن استثمارها في العديد من الأمور، كبيرة كانت أم صغيرة، شخصية أم مهنية.
وكما طرحنا الفكرة في مقالتنا السابقة، نحن لا نقول بأنه على كل شخص أن يكون مدير مشروع ويمارس فعلا” ادارة المشاريع، ولكن طرح فكرة إدارة المشاريع غالباً ما تلهم الناس بتطبيق مفاهيمها على حياتهم الشخصية.
نبيلة، الشخصيّة غير الرسميّة للأم: مديرة المشروع
أراقب باهتمام المهارات الشخصية والتنظيمية التي تستخدمها نبيلة في إدارة مشاريع حياتنا. أشاهدها وهي تحافظ على التوازن في دعمها لنا من خلال عملها الجزئي في الشركة, ورعايتها لأطفالنا، ومتابعة نشاطاتهم المدرسية وحفلات أعياد ميلادهم، إضافة إلى مواكبة أنشطة الأسرة كاملة.
ويتطلب الأمر منها أن تكون مديرة مشروع متمكّنة لكي تحافظ على تحقيق الأهداف، خصوصا” مع وجود العديد من الأهداف الصغيرة في حياة كل فرد. أليس هذا هو جلّ ما تدور حوله إدارة المشاريع؟ كم واحد منّا بإمكانه إدارة عدة مشاريع وبكفاءة؟
أنا لا أسعى لتقديم زوجتي الجميلة على أنها امرأة خارقة، ولكن أليست تعتبر مثال عن كل امرأة وأم عاملة؟ ماذا يمكننا أن نتعلم من ذلك؟
عادة ما ننظر للمشاريع على أنها أمور كبيرة ومعقدة، ولكن من المهم معالجتها، وكما تحبّذ نبيلة أن تقول “قطعة تلو أخرى”. وعليه فإن ما يبدو أنه مشروع كبير يتحول فجأة ليصبح أهداف أو أجزاء أصغر متنوعة لا أكثر (مهام). قد يبدو هذا الوصف مغالٍ في التبسيط، ولكن أليس مفهوم هيكلية تقسيم العمل يدور حول تقسيم المشروع إلى أجزاء أصغر يمكن إدارتها؟
أنا لست عالماً، كما أنني لست قارئ في مجال العلم ومقارنة عقلية كل من الرجل والمرأة، ولكني أدرك بأنه تمّ البرهان (وربما ثبت علمياً) على أن المرأة أفضل من الرجل في إنجاز المهام المتعددة، و ما هو المشروع إلا تحقيق التوازن المستمر لعدد من المهام؟
أحياناً أمزح مع نبيلة واليوم وأنا أكتب هذا المقال أتذكّر كل تلك العبارات. فعندما يكون الأمر متعلقاً بأمور المنزل، بإمكانها الطبخ، ومشاهدة التلفاز، وغسيل الأطباق خلال فترة الإعلانات التجارية. كما أنه بامكانها وأثناء تحضيرها لدراسة أولادنا والإشراف عليهم أن تقوم بمتابعة مهامنا في الشركة اضافة الى الخوض في محادثة معي أو مع أي شخص آخر على الهاتف. فهي تتمتع بقدرات القيام بمهام متعددة.
ولكنّ الكارثة تقع عندما تأتي إلى العمل… فمنذ بضعة أيام، أخبرتني بأنها تريد العمل مرة أخرى بشكل مهني (لقد قامت بإنجاز بعض المهام لنا ولكنها تريد القيام بأكثر من ذلك الآن). أجبتها بأن لدي وظيفة بدوام جزئي عليها أن تجربّها. فقالت لي “بشرط واحد: مهمّة واحدة تلو أخرى”. وتابعت “بإمكانك تكليفي بالعديد من المهام، ولكني سوف أعالجها واحدة تلو أخرى”. عفواً؟ ربما كان العلم على خطأ ولكني لا أعتقد ذلك، وأنا لا أقول هذا دفاعاً عن زوجتي بل على العكس. ففي العمل أستطيع معالجة 10 أمور بالتوازي، ولكن في المنزل أقوم بمعالجة كل مهمة على حدى. لابد وأنها من العادات الموروثة!
الختام
نحن لا نتوقع أن يصبح كل واحد منا مدير مشروع، أو أن يتمكّن من الحصول على شهادات مثل “PMP” أو “PRINCE2” …الخ، ولا أن يقوم بإدارة مشاريع كبيرة ومعقّدة. ولكننا نأمل بأن يتعلم قرّاءنا كيفية معالجة مشاريعهم اليومية الخاصة على نحو أكثر فعالية.
كما نود أن نرى “مدراء المشاريع بالصدفة” يحسّنون معدّلات نجاحهم ويحدّون من أخطائهم.
Pingback: هل يتخذ المسؤولين التنفيذيين القرارات الصحيحة في إدارة المشاريع؟ | الريادة في ادارة المشاريع()
Pingback: هل يتخذ المسؤولين التنفيذيين القرارات الصحيحة في إدارة المشاريع؟ | الريادة في ادارة المشاريع()