تمهيد
دُعينا أنا وزميل لي في يوم سابق من قبل عميل محتمل للحضور ومناقشة تنفيذ إدارة المعرفة في مؤسسته. على أن تكون جلسة تمهيدية: فلم يكن هناك أي طلب رسمي مقدم من قبله، كما لم يكن هناك أي جدول أعمال لهذا الاجتماع، وتوضح لنا بسرعة كبيرة أن العميل كان يبحث عن… دعنا نقول، التوجيه.
اتضح الأمر بأن عدداً من الموظفين كانوا قد اتبعوا دورة تدريبية حول إدارة المعرفة، وكانوا يبحثون عن الخطوة التالية.
مقدمة
بعد بضع دقائق من المراوحة حول الموضوع، طرح العبارة التالية بتردد: “إدارة المعرفة عبارة عن، حسناً، تبادل المعرفة”؟… لم تكن هذه العبارة خاطئة تماماً، ولكنني كنت أنتظر سماعه وهو ينطق ما تبقى منها. ومما لا يثير الدهشة إلى حد ما، أن باقي العبارة بقي مستور. حاولت أن أغتنم الوقت باقتراح بعض التقنيات، ولكن لم يكن بإمكاني مغادرة الاجتماع إلا وأنا أحمل شعوراً بعدم الرضا والفشل من جانبي. وبدأت أتساءل لماذا من الصعب بمكان ما وصف إدارة المعرفة؟
بإجراء بحث سريع على موقع الجوجل نجد بأن إيكيوجيرو نوناكا (Ikujiro Nonaka) أنشأ إدارة المعرفة كاختصاص في العام 1991 وذلك بنشره مقالة “المعرفة تخلق الشركة” في إصدار هارفارد بيزنس ريفيو 69 (6 نوفمبر – ديسمبر: الصفحات 96 – 104).
اليوم، وبعد مرور عشرين عاماً، فإن مصطلح “إدارة المعرفة” يستخدم بشكل مبالغ فيه جداً في مجال الأعمال التجارية وهو في دائرة الخطر لأن يصبح موضة أخرى. ومرة أخرى يبدو أن الفجوة بين البحث (الذي لست معتاداً عليه ولكني أثق بأنه غني وقيم) والتطبيق العملي لا يمكن أن يجتمعا. وإذا لم نكن حذرين فإن مفاهيم عظيمة أخرى مثل منظمة المعرفة قد تحذو حذوها.
لذا، فالسؤال الحقيقي هو: لماذا تفشل الكثير من الأعمال الأكاديمية العظيمة عند تطبيقها في الحياة الواقعية؟
أعتقد بأن المرء يمكن أن يقضي حياته وهو يبحث عن إجابات لهذا السؤال، ولكني أجرؤ على القول بأن الخط الذي يربط النظرية بالممارسة (أعلم بأنه زيادة في التبسيط) ليس مستقيماً. فالنظرية يجب أن تطبق، على المستوى الشخصي والتنظيمي، قبل أن تبدأ بتغير السلوك. وعندما يحدث ذلك، يمكن أن تبدأ عملية التغيير بشكل حقيقي. لذا فإن التقدم الملموس في المنظمة هو عملية طويلة، وعادة ما تكون طويلة جداً لدوافع قصيرة النظر مثل الأرباح التي تراوح وتنتظر.
لاحظت أيضاً أنه حين يمضي الأكاديميين وقتهم بالصراع مع المفاهيم، فإن عالم الأعمال يكون سعيداً جداً بالمضي قدماً باستخدام أوصاف غامضة وبعض الكلمات الطنانة. وغالباً ما يؤدي هذا الأمر إلى توجيه جهود فاترة نحو التخلي عنها وإلى إدارة وفق “نكهة هذا الشهر”.
الآن، بدأ مصطلح “إدارة المعرفة” بداية سيئة، وهو بطبيعة الحال مجرد تناقض في اللغة: فليس بوسع المرء بكل بساطة إدارة المعرفة. بإمكاننا إدارة الأشخاص (على فرض ذلك – وهو موضوع مدونة أخرى) لإنشاء، وحيازة ونشر المعرفة لصالح المنظمة. ومع ذلك، بطريقة ما يبدو أننا نكتفي بإقناع أنفسنا بالفهم البديهي للمصطلح. وهو ما يخلق مشكلة حيث أن الفهم البديهي قد يختلف من فرد إلى آخر.
كذلك، فإن معنى مصطلح “المعرفة”، المتداول منذ فترة أطول من ذلك بكثير، هو أبعد ما يكون متفق عليه. ودون الولوج في مناقشة أكاديمية هنا، فإن مفهوم النموذج العقلي يبدو أنه يحمل المعنى الأفضل لمصطلح “المعرفة”، حيث يمكن وصفه بأنه إطار مرجعي داخلي يقوم بالإخبار، وهو في الوقت ذاته يتم إخباره من قبل تفاعلنا مع العالم. وعلاوة على ذلك، المعرفة هي ديناميكية، وبالتالي يتم التأثير عليها بواسطة التعليم، وهو مجال آخر نشط ومعقد للغاية.
مما لا شك فيه وجود قصص نجاح في مجال إدارة المعرفة، ولكني بدأت أخشى أنها قد تبقى استثناء وليست قاعدة، ما لم تبدأ المنظمة التي تريد “تطبيق إدارة المعرفة” بتحديد تماماُ ما تعنيه بالنسبة لها، وما هي الفوائد المتوقعة وما يطلبه منها الأطراف المعنية.
فوق كل ذلك، فإن الأدوات المستخدمة لإنشاء، وحيازة ونشر المعرفة يجب أن تكون مفهومة ومدعومة جيداً. ولكن الأهم من ذلك، أنها تتطلب جهداً مستمر وواضح من القيادة حيث أن الفوائد الرئيسية ستصبح ملموسة فقط على المدى المتوسط والبعيد، وهي فكرة أصبحت لا تحظى بشعبية كبيرة في هذا العالم السريع جداً والمحكوم من قبل الربح السريع الذي نعيش فيه.