هل مهارات إدارة المشاريع والبرامج هي المهارات الجوهرية لموظفي المعرفة ومدرائهم في منظمة المعرفة؟

تمهيد

قبل شهرين، عندما كنت وزميلي منيرعجم نحاضر في إحدى الدورات التدريبية حول إدارة المشاريع، عرضنا على الحاضرين الغلاف الأمامي لمجلة “بيزنس ويك”، التي تحمل صورة الراحل العظيم والأب الروحي للإدارة “بيتر إف دراكر”. حيث كانت الصورة ملحقة بالمقالة الرئيسية التي تدور حول أهمية أفكار هذا الرجل والتي مازالت بالغة الأهمية بالنسبة لمنظمات اليوم، وكان الغلاف يحمل العنوان “الرجل الذي أوجد علم الإدارة”.

من أوجد علم الإدارة؟

هذه الشريحة هي جزء من مقدمة الدورة التدريبية في إدارة المشاريع وهي تهدف إلى إثارة نقاش حول تحديات إدارة الشركات الكبيرة في الوقت الحاضر. على أية حال، اختلف رأي أحد المشاركين بشدة هذه المرة. “ماذا عن مؤسسي علم الإدارة”، حيث اعترض قائلاً: “هنري فايول وفريدريك تايلور؟ هم المؤسسين الأوائل للإدارة!”.

نوعاً ما كان الرجل على حق، وصرحنا حينها بأن الغلاف موضع الخلاف قد يكون يسلط الضوء على التاريخ المبكر للإدارة الحديثة.

الإدارة في مواجهة إدارة موظفي المعرفة

من ناحية أخرى، دعونا نعكس هذا الأمر كالتالي، إذا ارتأت مجلة ذائعة الصيت مثل “بيزنس ويك” نشر هذا الغلاف، فربما نكون قد أغفلنا شيئاً ما. واتضح لي بأننا قد نكون نتعامل مع نوع مختلف تماماً من الإدارة بكل ما في الكلمة من معنى.

فسّر دراكر بنفسه هذا اللّغز، أو على الأقل بشكل جزئي. حيث ابتكر مصطلح “موظف المعرفة“، وكتب حول هذا الموضوع في العام 1989: “مشاكل وتحديات إدارتنا تنحصر مع الأشخاص اللذين يقومون بوظيفة المعرفة”. كما وذكر في وقت لاحق من حياته بأننا لم نكتشف بعد كيفية إدارة موظف المعرفة.

على الرغم من أن كتاب فايول يضم بعض مبادئ الإدارة التي هي وثيقة الصلة بالموضوع اليوم كما كانت عليه قبل 100 سنة مضت، مثل تعزيز روح الفريق وتشجيع مبادرة العامل، فإن كلاً من كتابه وكتاب تايلور قد أسسا على مبدأ توزيع العمل لتحسين الفعالية. وبعبارة أخرى، السماح للناس بالقيام بمهام صغيرة متكررة بحيث يصبحون ماهرين بأدائها، ويتركون الإدارة تقوم بتخطيط، وتنظيم، وقيادة العمل والتحكم به.

كما نعلم الآن، مع قوة الإدراك المتأخر، أن هذا المبدأ أثمر لبعض الوقت (مثال، خط إنتاج هنري فورد تي موديل)، وخاصة في الصناعات التحويلية، ولكن بعد ذلك بدأ يواجه مقاومة حيث أن العمل أصبح رتيباً أكثر وأكثر، وانخفضت المهارات. فظهرت نظريات تحفيزية نتيجة لذلك، فقد نشر إبراهام ماسلو كتاب “نظرية التحفيز البشري” في وقت مبكر من العام 1943، بالتزامن نوعاً ما مع الفترة الزمنية التي بدأ فيها كتاب دراكر يكتسب زخماً.

في الوقت الحاضر، ابتعد غالبية العمال عن الأعمال القائمة على الجهد العضلي. وبلغة الأرقام، في الولايات المتحدة اليوم حوالي 70% من العاملين موظفين من قبل القطاع الخدماتي (من الدرجة الثالثة)، و 30% المتبقين يعملون بالقطاع الرئيسي (الزراعة واستخراج المواد الأولية) والقطاع الثانوي (تحويل المواد الأولية)، وحوالي نصفهم من موظفي المكاتب. وهذا ما يجعل حوالي 85% من مجموع القوى العاملة يصنفون على أنهم موظفي معرفة.

منظمات المعرفة

كما أن منظمات المعرفة الحقيقية تتكون من درجات وظيفية أقل بكثير فهي ترتكز على فريق العمل (يتبادر إلى ذهني مثال توم بيترز حول شبكة أخبار سي إن إن). إدارة الأوامر والتحكم المركزي، وهي المصادر التي اقتفى أثرها دراكر وصولاً إلى الجيش، الذي اعتبره أول “منظمة” حديثة الطراز، وبكل بساطة لم يعد يعمل في مثل هذه البيئة. وكتب دراكر حول هذا الموضوع “كون عملها قائم على المعرفة، فإن منظمات المعرفة بأكملها لا تتكون من رؤساء ومرؤوسين.”

فمهام موظف المعرفة يتم التخطيط لها، وتنظيمها، وقيادتها والتحكم بها من الأعلى. فالمدراء مشغولون جداً بتبرير وجودهم وذلك من خلال لعب أدوار المختصين بأنفسهم. (بالمناسبة، هذا الأمر برأيي الخاص هو أفضل دليل على أننا حتى الآن لا نعي ماذا تعني إدارة موظف المعرفة).

العمل المعرفي أقل تكرراً بكثير وأكثر ديناميكية بطبيعته من العمل الموزع، فهو يتغير دائماً ويقع باستمرار تحت دائرة المراقبة ضمن المنظمة. لا يعتبر إنتاجي ولكنه مبدع، وإعادة الابتكار هي من عوامل النجاح اليوم. كما أن حجم الشركة لم يعد يتناسب مع حصتها في السوق، والأساليب الإدارية التقليدية لم تعد متّبعة.

مثال: مؤخراً قمت باختيار كتاب من عدة كتب تم نشرها في الوقت الحاضر عن أعمال الراحل ستيف جوبز، الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لشركة أبل، ذكر فيه أنه عندما تعرضت الشركة لأزمة وقدم محاسبي الشركة مقترحات لتوفير التكاليف، قال ستيف: “لا يمكننا توفير التكاليف على أنفسنا للخروج من هذه الحالة. نحن بحاجة إلى ابتكار طريقة للخروج منها”.

إدارة المشاريع بالنسبة لموظفي المعرفة؟ وإدارة البرنامج بالنسبة لمدرائهم؟

يقوم موظف المعرفة بشكل مستمر بتحديد طبيعة عمله بالإضافة إلى المتغيرات المتعلقة به (مثل الوقت، التكلفة، الموارد)، بالاستناد إلى إستراتيجية المنظمة. وينحصر دور الإدارة في تعزيز الإستراتيجية المناسبة ومنح الموافقات الآنية لنقاط التحقق المحددة مسبقاً. بعبارة أخرى، على موظفي المعرفة إدارة غالبية أعمالهم على أنها مشاريع!

أياً كان الدور، فالمهمة الرئيسية لموظف المعرفة هي إدارة المشاريع. ربما ليس بالمعنى الضيق للكلمة أي في المشاريع الرأسمالية، ولكن ضمن مشاريع مكان العمل مثل الابتكار أو التحسين أو إعادة التنظيم. والتي لا يمكن أن تدار بواسطة التخطيط والتنظيم والقيادة والتحكم التقليدي.

فماذا يعني هذا؟

  • أولاً، أن أي موظف معرفة لا يتمتع بمهارات جيدة في إدارة المشاريع سيصبح عاجلاً كأنه حرفي من دون أدواته، وسيؤول به المطاف بأن يفقد قاعدة التقدم أو حتى أن يفقد عمله.
  • ثانياً، أن على كبار المدراء تعلم كيفية توجيه موظفي المعرفة أثناء إدارتهم لمشاريعهم. وهذا يعني تحديد الأولويات، إعادة تقييم الإستراتيجية بشكل دوري، الاستغلال الأمثل للموارد وضمان تحقيق الفوائد المرجوة. وأقترح بأنه على شركات الوقت الحاضر والتي لا تزال ترغب في أن يكون لها مكان في المستقبل, أن تبني إدارة البرامج باعتبارها الكفاءة الجوهرية للإدارة العليا.

الختام

في الختام، لا تزال أفكار دراكر وبكل تأكيد تهم المنظمات المعاصرة. فقد تنبأ بالحاجة إلى دور مختلف تماماً للإدارة، دور مازلنا لا نتقنه حتى اليوم. فالعنوان “الرجل الذي أوجد الإدارة”، كما تستعرض المقالة ذاتها، أطلق عليه بعد وفاته من قبل توم بيترز، وهو أحد الآباء الروحيين العظام في الإدارة.

من المثير للاهتمام، أن دراكر تنبأ بفترة تغيرات كبيرة ومقلقة بين العامين 1990 و 2015. فإذا كان تقديره للزمن أقرب ما يكون للدقة، ومنظماتنا لا تزال غير مستعدة بعد للعصر الجديد، يبدو أن العام 2012 هو بالفعل النهاية، أو الموت. ربما وبهذا المعنى، قد يكون بالنسبة للبعض عام القيامة.

دعونا نقوم بالاختيار الصحيح.

Read in English